سنجوب يسلم عليكم ويقول سوّوا شير واتركوا تعليقات وكيذا يا عيال

Twitter: @SaadMotham

12/07/2013

طريق الموت السريع

تحذير: هذه القصة غير مُناسبة للأطفال وأصحاب القلوب الضعيفة
 
كانت الساعة 2:43 مساءا وقد كان الجو مُشمسا والجو مُعتدلا فقد كان يوما في أوائل ديسمبر

كنتُ مستقلا سيارتي لوحدي وقد قطعت قرابة الخمس وأربعين دقيقة من رحلة السفر برا عائدا من الرياض إلى الدمام على الطريق السريع بعد عطلة نهاية أسبوع قضيتها مَع أهلي

كُنتُ أرتشف قهوتي وأنا أقود سيارتي في المسار الأوسط مثبتا السرعة على حد السرعة القانوني

شاهدت في المرآة سيارة مرور تسير خلفي

ليسَ ثمة سبب للقلق فقد كنتُ ملتزما بكافّة الأنظمة والقوانين

بعد قرابة الدقيقة قامت سيارة الشرطة بتشغيل أضواء وصوت سرينتها فتوقعت أنه يطلب مني التوقف

هممت بالتوقف ولكن الشرطي مال بسيارته ليقودها في المسار الأيسر

قام الشرطي بتجاوزي, لا بدّ أن هناك سبب دعاه لفعل ذلك

بعد قرابة الخمسة دقائق شاهدتُ في المرآة الخلفية سيارة إسعاف مُسرعة على المسار الأيسر تقوم بتجاوز الجميع

تسائلتُ إن كان هنالك سبب مُقنع يدعوها لفعل ذلك

غالبا عندما ترى سيارة إسعاف مُستعجلة في وسط المدينة لا ترى وجهتها النهائية التي تذهب إليها فتتسائل في داخلك يا تُرى إلى أين تذهب ولماذا؟ ولكنك نادرا ما تعرفُ الإجابة فتُقلل لا-شعوريا من أهمية السبب الذي دعاها لتقوم بما تقوم به

 
قدت سيارتي لقرابة عشرة دقائق إضافية قبل أن أجد وجهة سيارة الإسعاف وأرَ ما لم أتوقعه

كان هناك لوحات تحذيرية تطلب تهدئة السرعة ففعلت وبعدها رأيت حاجزا من سيارات الشرطة مصمم بحيث تخرج جميع السيارات مع مخرج على جانب الطريق وتمشي على شارع فرعي يتصل مع الطريق السريع مرة أخرى

خلف الحاجز وبعيدا عنه كانت هُناكَ طائرة مروحية كبيرة تدورُ مُروحتها يسهلُ رؤيتها من حيثُ كنت وكانت قد حطّت في منتصف الطريق

كان مشهدا غير مألوف بالنسبة لي

رأيت سيارة الإسعاف خلف حاجز السيارات وقبل الطائرة المروحية

خرجت مع الشارع الفرعي والتفتُّ للطريق السريع متسائلا ما سبب كل هذا؟

بعد سيارة الإسعاف وقبل الطائرة المروحية كان هناك سيارة متوسطة الحجم مصدومة قابلت القادمين على الشارع

غالبا ما التفّت إثر الحادث

ورأيت سيارة أخرى بعدها بقرابة العشرة أمتار كانت قد انقلبت وأصبحت زجاجتها الأمامية قاعدة لها

ربما كانت هُناك سيارة أخرى فقد كانت الفوضى تعمُّ المكان فقد شاهدتُ كل هذا خلال أقل من ثلاث ثوانٍ وغالبا ما فاتتني الكثير من التفاصيل

 
كان هُناك شرطي على الطريق الفرعي يحث الناس على السير وعدم التوقف

كنتُ أريد تنفيذ تعليماته ولكنني كنت محدودا بسرعة السيارة التي أمامي

قبل أن أتجاوز المشهد المُريع رأيت ما تمنيت أني لم أره

رأيت أشيائا لم أكن مُتأكدا ما هيّتها فصرفتُ نظري آملا ألّا تكون ما ظننته

كانَ هناكَ أيضا شخص مُتجهم الوجه من فريق الإسعاف يقف وقد همَّ بدفع سرير ذي عجلات عليه جثة ملفوفة بالبياض وقد رُبطت بأحزمة سوداء

لقد مات صاحبها في الحادث

تسارعت أنفاسي وازدادت دقات قلبي قوة فلم أكن مستعدا لأن أرى ما رأيته

طعم القهوة في فمي أصبح معدنيا

هل كان الوحيد؟ ماذا حصل للآخرين؟

تجاوزت الحادث وأكملتُ مسيري

رجعت على الطريق السريع

لم تغب صورة الجثة من بالي وكأنما نُقشت في صخر

مشيتُ قرابة الكيلومترين قبل أن أشعر بالدوار فتوقفت على جانب الطريق

وضعتُ رأسي على عجلة القيادة وأنا لا أزال ألهث

 
أحسستُ بمحتويات بطني تتصادم مع جدرانه وكأنها تُريد الفرار من هذا السجن

هل كان للميت ذنب؟ هل كان المخطئ؟ هل ماتَ غيره؟ هل كان هُناك أطفال في إحدى السيارات أو كليهما؟

لا بُدّ من أن غالبية الخطأ تقع على أحد صاحبي السيارتين فما ذنب الذي لم يخطئ لو أنه كان الميّت؟

غالبا أنه كانت لديه خُطط لبقية اليوم بعد أن يصل وجهته وخطط أخرى لغد ولبعد غد ولبضع سنين من الآن

هل شاهد مسرح الحادث أطفال في السيارات التي كانت أمامي أو خلفي؟ كيف سيُفَسّر أهلم لهم ما رأوه؟ لا بد من أن الجثة كانت مكشوفة قبل أن يلفوها بالقماش الأبيض, هل رآها أطفال؟

شيئا فشيئا هدأتُ قليلا وكان لا بد من أن أكمل القيادة فقد تبقى الكثير

أكملت القيادة وأنا ألعن التهور والمتهورين والمستخفين بحياتهم وبحياة الآخرين

لا يزالُ أمامي قُرابة ثلاثة ساعات من الطريق, سأغرقُ في أفكاري المُظلمة

هل كانَ سبب الحادث تهور أحدهم؟ هل كان أحدهم يُريدُ تجاوز الآخر؟ هل كان أحدهم في النقطة العمياء للآخر ولم ينتبه له الآخر؟ هل استفزّ أحدهم الآخر؟ هل كان أحدهما او كليهما مُسرعا لاستعجاله؟ هل كانت هُناك ضرورة للاستعجال؟ هل لو كانت الإجابة على أية هذه الأسئلة نعم لكان ذلك سببا مُقنعا لموته؟

 
أخاف أن يكون له أحباب سينفجعون لخبر موته, بل حتما له أحباب سينفجعون لخبر موته

انتبهتُ فجأة لسيارة مُسرعة على المسار الأيسر وأخرى مسرعة على المَسار الأيمن لا بد من أنهما قد تجاوزا حد السرعة بقرابة 40 كيلومترا في الساعة بدا كأنهما يتسابقان للوصول إلى هدف غير واضح

تجاوزاني في نفس اللحظة وكأنما كُنتُ واقفا في مُنتصف الطريق ثم قام صاحب السيارة التي كانت في المسار الأيمن بالتحول للمسار الأوسط رُغم وجود أقل من متر يفصل بين سيارته وسيارتي وكأنما لم يكن مُقتنعا بوجودية سيارتي

 
إنه الإرهابُ بعينه

لا بُدَّ أنهما مرا بالحادث فليس لهنا طريق إلا من هناك

ألم يتعظا مما رأيا؟

هل هُم حيوانات ذاكرتها قصيرة المدى لتنسى شيئا قد رأوه قبل خمسة دقائق؟

هل مَفهوم الموت متعذّر بالنسبة لهذه الكائنات البدائية؟

شككت في قدرتي على إكمال الطريق ولكنني أكملته فلم يكن لي بديل عن ذلك ووصلتُ سالما بحمد الله ولكنني سأضطر لقطع نفس الطريق لمرات ومرات عديدة في المسُتقبل ولا أريد أن يكون الموتُ هاجسا لا يُفارقني كل مرة أحتاج أنت أنتقل من النقطة أ للنقطة ب ولا أريد أن أشعر بضرورة ملحة لتحمّد السلامة كلما أخبرني شخص أحبه أنه سافر من مكان لآخر

 
من المُفارقات المُضحكة المبكية أن أجدادنا كانوا يقطعون الصحراء مشيا أو على دوابّهم ويستغرقهم ذلك أسابيعا أو شهورا وذات يوم جائنا شخص لا نعرفه أخبرنا أننا نملك شيئا لا نعرفه يُدعى النفط أعطانا الكثير من المال من أجله ثم أخذ منّا بعض المال وأعطانا دوابا لا نعرفها تأكل وتشرب النفط الذي لم نكن نعرفه وبعد مئات السنين من قطع الصحراء ببطء شديد أصبحت لدينا حاجة ماسّة للوصول لكل مكان آنيّا في نفس اللحظة بأقصر وقت مُمكن وكأنما كان تواجدنا في ذلك المكان أمرا تتحتم استمرارية الوجود عليه
 
إحصائية مُرعبة: في عام 2011 بلغ عدد الموتى من حوادث السيارات في السعودية 7153 قتيل بينما بلغ عدد ضحايا العُنف في العراق قُرابة 4200 قتيل

دائما ما نُبدي استيائنا من عيشنا في هذا المكان ودائما ما نُقارن أنفسنا بغيرنا من الدول الأفضل منّا في مجالات كثيرة. هُناك أحيانا أسباب خارجة عن إرادة الأفراد ولكن في مسألة مثل قيادة السيّارات فهي ترجع للأفراد أنفسهم فهم أنفسهم من يُصححونها ولا يُعقل انتظار جهة معنية لتعكف أيدي الناس وتُصلح الأمر

 
لستُ كاتبا هادفا وغالبا لن أُكثر الكتابة بهذه الطريقة في المستقبل ولكن كتبتُ لأهمية الموضوع فقط

عزيزي السائق, لن أطلب منكُ أن تبدأ بإصلاح نفسك, فقط سآمل أن تكون ذكيا بما فيه الكفاية لتقوم بذلك بنفسك

هناك 3 تعليقات:

  1. من أجمل ما قرأت .. زيد

    ردحذف
  2. ومن أكثرها تأثيرا في النفس كذلك.. الأجمل أنك إستطعت أن توظف مهارتك الكتابية في رسالة إرشادية و إن كانت صدفة لمرورك بذلك الطريق ، إستمر على نفس هذا المنوال أيها المتألق

    ردحذف
  3. غير معرف12/09/2013 1:19 م

    جل ما أستطيع قوله
    شكرا لك

    ردحذف