سنجوب يسلم عليكم ويقول سوّوا شير واتركوا تعليقات وكيذا يا عيال

Twitter: @SaadMotham

3/05/2015

الطفل العشريني

كان الطفل ذي الستة أشهر جالسا على الأرض.

لا يزال يحاول توسيع دائرة إدراكه وفهم هذا العالم الغريب.

يبدو أنه لا يزال غير مقتنع بمفهوم الجاذبية فمحاولته القفز من حافة السرير هوايته المفضّلة.

لا نستطيع لومه فهو لم يتمّ بضعة أشهر في هذه البقعة المحدودة من هذا الكون الفسيح.

لو اختارت أمه لتلده على كوكب آخر حيث تسارع الجاذبية أقل مما اعتدنا عليه لما كان قراره بالقفز من حافّة السرير مميتا بالضرورة.

يقوم بجمع المعلومات وفرزها وتحليلها باستمرار.

رفعه أحد الكِبار في مُحيطه وقام برميه في الهواء.

ضحك الطفل وتفاجئ بضعة مرات عندما ارتفع, ثم توقف, ثم نزل للأرض مرة أخرى وأمسك به هذا الكبير.

قام الكبير بفعل ذلك بضعة مرات وضحك الطفل كل مرة.

وضعه الكبير على الأرض.

ابتسم الطفل وهو ينظر للكبير الذي وصفه بالـ "كويّس" في قرارة عقله.

قام الكبير بأداء تلك الحيلة الجيّدة عندما يختفي فجأة ثم يعاود الظهور مرة أخرى.

في الحقيقة كان فقط يُخفي وجهه بكلتا يديه ثم يُظهره مرة أخرى مزيحا يديه.

ضحك الطفل متعجبا من قدرة الكبير على التحكم بوجوديته بمجرد استخدام يديه.

قام الطفل بتقليد الكبير محاولا اختراق الزمان والمكان عابثا بوجوديته.

ابتهج الكبير إثر ذلك.

شعر الكبير بالضجر فقام ومشى مبتعدا عن الطفل.

اختفت ملامح البهجة من وجه الطفل واستبدلتها ملامح القلق.

ازدادت ملامح القلق حدّة مع ابتعاد الكبير فقد مرّ بهذه التجربة عدّة مرات من قبل.

يخشى الطفل أن يختفي الكبير من الوجود مع ابتعاده.

تحول قلقه لبكاء.

ارتفع صوت بكاء الطفل أكثر وأكثر.

غدا بكاؤه لا يُطاق.


*****


توقف الطفل بسيّارته عند الإشارة الحمراء بعد قُرابة عشرين عاما على ولادته.

ارتشف قهوته ثمّ أعاد كوب القهوة الورقي لمكانه في حامل الأكواب.

لا يحتاج لأن يقلق من أن ترتفع قهوته عفويا فالجاذبية ستبقيه في مكانه.

لديه عشرين عاما من الخبرة في هذا الصدد.

يبدو أنّ دائرة إدراكه توسعت وأصبحت الجاذبية "لعبته" على حدّ وصفه لو كنتَ لتسأله.

اخضرّت الإشارة فتابع مسيرته حتى أوقف سيارته خارج بيته.

فَرَغ من قهوته عندما وصل وأراد التخلص منها.

يحتاج فقط لأن يُلغي وجودية الكوب.

قام بفتح زجاجة السيارة ورمي الكوب.

حُلّت جميع مشاكله.

تعلّم هذه الحيلة مِن إحدى الكبار في مُحيطه عندما كان صغيرا.

أطفأ السيّارة وفتح الباب مغادرا إياها.

دعس الكوب بقدمه. اتسعت عيناه متفاجئا بأن الكوب لا يزال موجودا!

حكّ رأسه مستغربا فقد ظن أنه قد تخلّص من الكوب للأبد!

لم يستطع فهم الموضوع فقام بركل الكوب دافعا إياه تحت سيارته.

لم يعد يرى الكوب, لم يعد الكوب موجودا.

ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة مُعجبا بقدرته على ابتكار حلول عملية لمشاكله اليومية.

ابتعد متجها لبيته.

ظهرت قطة من تحت السيارة تتحسسُ رأسها وتمسكُ بكوب القهوة الذي لا يزالُ موجودا!

انهالت عليه القطة بسيل من الشتائم واللعنات الغير مناسبة للطباعة.

وضعت القطة حَجَرَةً ثقيلة في الكأس.

لحقته القطّة واستوقفته قائلة بحنق وغضب: "مياااااوو"

رمت القطّة الكأس في وجهه بقوة فانكسر أنفه وهوى على الأرض فاقدا الوعي.

استيقظت القطّة من حلم اليقظة الذي كانت تعيشه.

سلّمت القطّة أمرها لله فأخذت الكوب ووضعته في حاوية النفايات.

ولم ينتبه البشري الحيوان أنّ الحيوان القطّة أكثر ذكاءا وتحضرا من حضرته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق