سنجوب يسلم عليكم ويقول سوّوا شير واتركوا تعليقات وكيذا يا عيال

Twitter: @SaadMotham

11/20/2013

الهدوء اللذيذ


كان الوقتُ مُبكّرا في ساعة الصباح الأولى قُبيلَ طلوع الشمس عندما انتهت الحمامةُ للتو من تركيب أجزاء سنارتها ووقفت ممسكة بها مستعدة لصيد السمك
 
كانت الحمامة تقفُ على ممر خشبي يمتد بضعة عشرات الأمتار من حافة اليابسة
 
وقفت الحمامة مُمسكة بسنارتها على جانب الممر قُرب نهايته وأدارت رقبتها متأملة الأفقَ الخلّاب
 
الجو بديع والسماء تُزينها عدة سُحُب عانقنَ أنفسهنَ بطريقة سالبة للأنفاس
 
انعكس نور الشمس, التي لم تشرق بعد, على السُحُبِ فزادهنّ بريقا وجمالا لم يكن أفضل مُهندس ضوء ليضاهيه بعمله
 
أخرجت الحمامة جوّالها الذكي وصوّرت السُحب ورفعت الصورة على انستقرام
 
تنفست الحمامة الهواء الطلق وأرخت حبل سنارتها خلف ظهرها ورمت الحبلَ بعيدا مُحاولة استدراج الأسماك الغبيات للعضِّ على الطُعم المُكون من دودة مسكينة لا ذنب لها قد أُدخلت شوكة في رقبتها وأُخرجت من بطنها
 
جلست الحمامة على حافة الممر الخشبي مستلذة بالهدوء وبصوت الأمواج الهادئة هذا الصباح
 
"لدي إحساس بأن اليوم سيكونُ يوما لِيُتَذَكَّر" قالت الحمامة لنفسها
 
لم تكن الحمامة تعلم مدى صدقِ قولها, رغم أن السياق الذي كانت لتتذكر به ذلك اليوم لم يكن ذاته السياق الذي توقعته
 
مرت عدّة دقائق وهيَ تستنشق الهواء العليل وتحتسي قهوة الصباح قبل أن تسمع الحمَامةُ صوتَ طرقات قادم من بعيد يصاحبه هزة أرضية طفيفة. علا صوتُ الطرقات شيئا فشيئا وتبيّن أنها في الحقيقة صوت خطوات
 
التفتت الحمامة لبداية الممر فرأت طائر نورس يمشي من بعيد بخطوات ثقيلة مُحدثا صوتا عاليا هازّا الممر الخشبي ومُشوِّشا الهدوء اللذيذ الذي كانت الحمامةُ مستمتعة به
أدارت الحمامةُ رأسها بعيدا عن طائر النورس وحاولت التركيز في صيدها والاسترخاء ولكن صوت خطوات النورس وقوة هزه للأرضِ ازداد قوة وحدة مع الوقت باقتراب طائر النورس من الحمامة
 
أبقتِ الحمامة رأسها باتجاه الأمام وانعقد حاجباها إثر صوت الإزعاج
 
أخذت الحمامة تهتز اهتزازا محسوسا للأعلى والأسفل وازداد الاهتزازُ باقتراب طائر النورس الذي تبيّن أنه كان يبستم ابتسامة ساذجة
 
إنه يحمل حقيبة غالبا ما تحوي سنارته وأغراض صيده ويرتدي قبعة بيسبول مقلوبة
 
وقف طائرُ النورس على بُعدِ متر ونصف من الحمامة على نفس الجانب الذي كانت تجلس عليه الحمامة
 
هُناك نظرية اجتماعية تقول بأن كل شخص تحيطه فقاعة مجازية هي بالنسبة له مساحته الشخصية التي يتضايق عندما يتعدى حدودها الآخرين. تكبر هذه الفقاعة بتقليل الأشخاص الذين يحتلون مساحة مُعينة أو بتكبير المساحة المعينة لعدد مُحدد من الأشخاص أو بقلة المعرفة بين أعضاء المجموعة الاجتماعية
 
لم تكن المسألة تحتاج لأن تكون مشروع تخرج لفريق من طلاب قسم العلوم الاجتماعية في جامعة مدينة الحيوانات فقد كان النورس يحتلُّ تلك الفُقاعة المُحيطة بالحمامة حتما
 
كان حجم طائر النورس يفوقُ حجم الحمامة بالراحة
 
وضع النورسُ حقيبته التي يبدو أنها كانت ثقيلة على الأرض وأحدثت هزة أخرى حاولت الحمامة التغاضي عنها
 
قال طائر النورس للحمامة ببشاشة: صَبِّح الحمامة بالخير
 
التفتت الحمامةُ للنورسِ بنفس وجهها المُتجهم وقالت بدون نفس وهُي تُعيد رأسها للأمام: صباح النور
 
قام طائرُ النورس بفتح حقيبته بصوت عالٍ بينما كانت الحمامة تتسائل في نفسها هل ما يقوم به النورس يستلزمُ كُلّ هذا الإزعاج؟
 
كانت الحفلة في بدايتها فقط فسُرعان ما قام النورس بإخراج أجزاء سنارته وتركيبها مُحدثا خربشة وإزعاجا يبدو للمُحايد أنه مُبالغ فيه بطريقة مقصودة مكدّرا مزاج الحمامة وجوّها
 
كان ما يجعل ما يقوم به مُزعجا للغاية أنه الهدوء كان يتسلل بين الثواني التي تسمعُ فيها الإزعاج
 
كلما حلَّ الهدوء لثانيتين أو أكثر وتوقعتَ أنه سيستمر وقلَّ انعقاد حاجبي الحمامة, عاد صوت الإزعاج مرة أخرى واشتدّ انعقادُ حاجبيها مرة أخرى
 
خُيِّل للحمامة أن الإزعاج سيكون سرمديا ولكنه استمر فقط قرابة العشرة دقائق
 
عند انتهاء طائر النورس من تركيب سنارته قام بالالتفات على الحمامة وقال لها: الله! الجو رايق والهدوء شيء جميل
 
لم تقل الحمامةِ شيئا إذ كانت مفجوعة إثر بلادة النورس وانعدام إحساسه
 
أرخى النورسُ حبل سنارته ثمّ رماهُ بعيدا وجلسَ قريبا بجانب الحمامة
 
ساد صوت الصمت لبضع ثواني وسُرعان ما عاد الإزعاج مُتمثلا في صوت صرير يعلو وينخفض دوريا
 
يبدو الصوت كأنه شخير
 
التفتت الحمامةُ للنورس ولكنه لم يكن نائما. كان فقط يتنفس بثقل
 
لم تقل الحمامة شيئا فقد توقعت أنه يعاني من أحد الحالات الكلينيكية التي تصيب الجهاز التنفسي
 
استمر الإزعاجُ قُرابة العشرة دقائق قامت الحمامة خلالها بالتأقلم مع صوت تنفس النورس إذ استخلصت في رأسها لحنا يتناغمُ مع إيقاع تنفس النورس
 
قامت الحمامة بهز رقبتها برفق راقصة مع إيقاع تنفس النورس وارتفع صوت الموسيقى في داخل رأسها وازداد تفاعلها مع اللحنِ شيئا فشيئا وفجأة, وبينما هي تفعل ذلك, توقفَ صوت تنفس النورس
 
التفتت الحمامة إلى النورس فوجدته قد أعارها كامل اهتمامه وهو يعطيها نظرات استغرابية تعجبية إثرَ تصرفها الغريب
 
سادت آكووردية الموقف لعدة ثوانٍ وهُما يتطلعان لبعضهما من دونِ أن يقولَ أحدهما شيئا وبعدها أدار كل منهما رأسه للأمام ببطء ممتعضا مما كان يفعل الآخر
 
لم تفهم الحمامة السبب خلف امتعاض النورس ثقيل الدم فهي ليست من **ّ في جوه, بل العكس
 
شعرت الحمامة بالغبنة من دوران الموقف وتحولها إلى الشخص الذي يضطر الشخص الآخر لتحمله فقامت بوضع أغراضها في حقيبتها وحَمَلَت سنارتها وقامت بوضع حقيبة مستلزماتها على ظهرها وقالت للنورس مُحاولة الانصراف من دون زيادة متوسط معدل الآكوورديّة هذا الصباح: يالله نشوفك على خير
 
وردّ النورس التحية قائلا: هلا حيّاك الله
 
فانصرفت الحمامة وهي تمشي بخطوات هادئة على الممر الخشبي الطويل وشاهدها النورس وهي تفعل ذلك وبعدما ابتعدت قام النورسُ بقلبِ قُبعة البيسبول التي كان يرتديها واختفت نظرة السباكة من عينيه ولمعت عينه بنظرة خبيثة وقال: زين, ما بَغَت تنقلع
 
وأكمل طائرُ النورسِ صيدَ السمك مُستمتعا بالهدوءِ اللذيذ

هناك 4 تعليقات:

  1. غير معرف11/20/2013 9:32 ص

    رهيييييييبة����

    ردحذف
  2. غير معرف11/25/2013 4:17 ص

    إذا ضاق صدري جيت أقرأ مدونتك فأرجع أحسن من أول!
    شكرا لقلمك المبدع

    ردحذف
    الردود
    1. الله يجبر بخاطرك يا صديقي. شكرا لردك اللطيف الذي صنعَ يومي. تعال كل يوم

      حذف