سنجوب يسلم عليكم ويقول سوّوا شير واتركوا تعليقات وكيذا يا عيال

Twitter: @SaadMotham

8/24/2013

حافّـة الجبل


لقد كان يوما كئيبا مغيما باردا في أواخر أكتوبر عندما كان القرد يمشي على قمة أحد الجبال التي يتردد عليها ورأى كومة من الموز مجموعة وموضوعة على حافة قمة الجبل فحثّ إليها الخُطى رغم بُعدها النسبي وعندما وصل إليها أخذ يتفحصها مُتسائلا مَن يا تُرى ترك الموز هنا بلا رقيب ولا حماية

بعد مرور وقت لا بأس به أحس القردُ أنّ مِنْ حَقِّه اعتبار نفسه مالكا للموز بحكم عدم بيان من هُو صاحب الموز وتركه إياه في مكان عام من دون علامة توضح أنه مِلكٌ لأحد

أخذ القردُ يلحس الموزات واحدة واحدة واضعا سعابيله وجراثيمه على كل موزة مُعلنا ملكيته لكل واحدة منها وبينما هُو يلحس سَمِعَ صوت صدى خطوات يتردد من خلفه منعكسا على تضاريس الجبل الصخرية خالقة هيبة للموقف

التفت القرد فإذا بقردٍ آخر يمشي من بعيد باتجاهه بوجه خالٍ من المشاعر فلم يُعِرْهُ القرد اهتماما بخلاف مُطالعته إياه واستمر القردُ بلحس الموزات وهُو يُطالع في القرد الآخر يمشي مُقتربا منه وعندما أصبح القرد الآخر على بُعد خطوات من القرد قال له: وشذا الموز؟

فردّ القرد بعد لحسه موزة وقبل لحسه موزة أخرى: مدري , جيت ولقيته , بس الحين صار حقّي

فقال القردُ الآخر: حظّك ما شاء الله

لم يردّ القرد مُكملا لحسه للموزات الكثيرة وعيناه تتابعان القرد الآخر

مشى القرد الآخر نحو حافة القمة مبتعدا قليلا عن القرد وأخذ يتأملُ المشهدِ البديع ويتنفسُ الهواء النقي بينما كان القردُ يُطالعُ فيه وهو غير مهتم لوجوده ولكنه مُدرك تماما لوجوده وأكملَ القرد لحسه لـ'ـموزاته'

فجأة , تحرك القرد الآخر مُبتعدا عن القرد وموزاته وكأنما كان له هدف قد وضعه نصب عينيه

عندها توقف القرد عن لحس موزاته وقام بالمشي خلف القرد الآخر ليرى ما هي السالفة وسُرعان ما تبين أن القرد الآخر كانَ يمشي لكومة أخرى من الموزات موضوعة على حافة الجبل قريبا من الكومة الأولى ولكنها لم تكن سهلة المُلاحظة من حيثُ كانَ يقفُ القرد واستهل القردُ الآخر فَرِحا بما وجده وقالَ للقردِ: بالله انتبه للموز بروح أجيب كيس أضفّه فيه

ومشى القرد الآخر مُبتعدا ليأتي بكيس يضع فيه الموزات وبعدما مشى بضعا من الخطوات التفتَ ليتأكد من وجودية الموز وأنه ليس يحلم فوَجَدَ القرد قد وضع يديه على الموز ويتخذ وضعية مَن يُرِيدُ دفع الموز ليسقط من على القمة فقال القرد الآخر: هيه! وش بتسوي؟

فردّ القرد: بأدف موزك بطيحه من الجبل

فتحرك القرد الآخر راجعا ليُبعدَ القرد الملحوس عن موزه ولكن القرد اتكأ على الموز أكثر حتى كاد يسقط فتوقف القردُ الآخر عن الحركة وتوقف القرد عن دفع الموز وقال القرد الآخر: طيب ليه بتدف موزي؟

فرد القرد ويده لا تزال على كومة الموز: عشان كون موز بحوزتك يُقلل من قيمة موزي

فقال القرد الآخر مُتسائلا: ليه ياخي؟ أنت عندك موز وأنا عندي موز , وش بينقصك؟

فقال القرد بأسف: آسف , ولكن سعادتك تجعلني أشعرُ بالتعاسة

فأحس القرد الآخر بأن القرد قد اتخذ قراره ولم يكن ليتراجع عنه فحاول استراتيجيّة أُخرى قائلا: لو تطيّح موزي ترى بطيّح موزك

فقال القرد بلامُبالاة غير مُصطنعة: ما يمديك , أنا واقف بينك وبين موزي ولو تقرّب مِنّي بأدفك وأطيحك من الجبل مع موزك

فقال القرد الآخر: يا ساتر! وش يخليك واثق انك تقدر تطيحني؟

فردّ القرد بثقة: أنت شكلك شخص متزن وما راح تتخذ قرار أخرق مثل إنك تصارعني على حافة الجبل لأن احتمالية فوزك بالمضاربة ليست مؤكدة لدرجة انك تُخاطر بحياتك

فقال القرد الآخر مُحاولا قلب الطاولة على القِرد: طيب أنت ما أخذت بعين الاعتبار أن حتى الشخص المتزن ممكن يتخذ قرار 'أخرق' نتيجة لاستفزازك إياه رغم أن احتمالية انتصاره في معركة لا-ضرورية غير مؤكدة

فتطلّع القرد إلى القرد الآخر لبضعة لحظات وهو يحاول قراءة ملامحه وبعدها دفع القرد الموز وسقط من حافة الجبل قائلا: وات ايڤر

أخذ القردُ يبتعدُ من الحافة بخطوات ثابتة بعد دفعه للموز وكأن شيئا لم يحدث بينما كان القردُ الآخر واقفا غيرَ مصدقٍ لما حصلَ للتو أمام عينيه وبعد عدة لحظات من التأمل أخذ الغضب من القرد الآخر مبلغه وغدا يركض باتجاه القرد الذي اتخذ وضعية التصدي لهجوم القرد الآخر وانقضّ القرد الآخر على القرد واشتبكا وغدا يبقسان بعضهما متدحرجين سوية نحو الحافة في مشهد سريع

وقبل أن يصلا إلى الحافة تمكن القرد من التخلص من القرد الآخر ودفعه فسقط القرد الآخر من على الحافة لاحقا موزه

بينما كان القردُ الآخر يسقط من على ارتفاع رأى جثتين متمزقتين لقردين ميتين قد سقطا قبله والذباب يتطاير من حولهما ورُغم قلة اللحظات التي حظي بها قبل اصطدام جسده بالأرض بعنف نتيجة لتسارع الجاذبية أعلن كُفره بالنهايات السعيدة وأدرك أنّ البعض قد يقوم بأفعال سيئة لأسباب غير مُبررة أو مفهومة

وكانت خاطرته الأخيرة هي أنّ التاريخ يُعيدُ نفسه ولكنه ليس ملتزما بإعادة جميع التفاصيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق